صاحبة المرثية الأصلية الطيارة الصفراء


لم تكن نوارة لعيايدة المكناة "عائشة المنصورية" كاتبة أو شاعرة أو متعلمة... بعد فقدها البصر في الشهر السادس بعد أن ابيضت عيناها بسبب المرض، وانمّا قوالة تترجم حزنها وألمها الى كلمات بسيطة وعامية لكنها صادقة لأنها نابعة من القلب تتغلل الى الروح وتنساب العيون باكية على ذاكرة الرجال بين الوديان والشعاب والغابات والجبال الشامخات الشاهقات.

"الطيارة الصفراء" مرثية وطنية أحبّها الجميع مثلما تغنى بها الجميع، صاحبتها المرأة الكفيفة نوارة لعيايدة المكناة عائشة المنصورية من مواليد 17 ماي 1935م بقرية أولاد سيدي منصور الواقعة بين أحضان جبال الحضنة الشاهقة تتبع إداريا بلدية المعاضيد –دائرة أولاد دراج-ولاية المسيلة حاضنة واحدة من الحضارات العربية-الإسلامية وهي الدولة الحمادية حيث تنتصب قلعة بني حماد شامخة بمنارتها ذات الطراز المغاربي...

ولدت نوارة لعيايدة في وسط أسرة فلاحية تعيش على تربية على قلتها وإنتاج النحل لوالدها الشيخ موسى المتزوج من امرأتين، الأولى تدعى خضراء العقون من قرية العقاقنة التابعة اداريا لبلدية غيلاسة-برج الغدير-من ولاية برج بوعريريج، وهي قريبة للشاعر الشيخ الشهيد عبد الكريم العقون صاحب قصيدة من وحي البحر، وقد أنجب منها الشيخ موسى لعيايدة 04 أبناء (طفلين وبنتين) وهم  الشهيد لعيايدة ابراهيم المعني بقصيدة "الطيارة الصفراء" الذي سقط في ساحة الشرف عام 1959م وهو دفين مقبرة الشهداء بغيلاسة بينما شقيقه أحمد توفي عام 2016م في حين فارقت نوارة لعيايدة المكناة عائشة المنصورية الحياة يوم 10 ديسمبر 2010م وهي دفينة مقبرة برج الغدير بولاية برج بوعريريج أمّا شقيقتها يمينة مازالت على قيد الحياة تقيم بالجزائر العاصمة، أمّا الزوجة الثانية فهي قريبته فطيمة لعيايدة التي أنجب منها طفل واحد هو عبد الله و06 بنات.

ما يبقى فوق السور غير سيدي منصور...

أولاد سيدي منصور من القرى التي حملت تسمية الولي الصالح سيدي منصور، الشيخ الاسكافي الذي أعدمه حكام الجزائر خلال التواجد العثماني أثر وشاية كاذبة وهو حاليا دفين أعالي حيّ القصبة العتيق بالقرب من ضريح الولي الصالح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بمدينة الجزائر العاصمة التي يعتقد بها الكثير من ذريته المنتشرة بالجزائر العاصمة والمسيلة وبرج بوعريريج.



اختلفت الروايات في نسبه بين قائل أنّه من نسل ادريس الأصغر بن ادريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما تنسبه رواية أخرى أنّه واحد من أبناء الولي الصالح سيدي منصور دفين صفاقس حيث يتغنى به الأشقاء التوانسة كجزء لا يتجزأ من الموروث الغنائي الشعبي أعطاها الفنان صابر الرباعي زخما فنيا عربيا: ((الله الله يا بابا، سيدي منصور يا بابا سيدي ،وأنجيك أنزور)) وهم ليسوا من عرب عياض بن الأثبج بن هلال ولكنهم من عرب الأشراف الأدارسة، وقد استقرت ذرية سيدي منصور في مشتى لقصاب الواقعة شمال شرق بلدية المعاضيد بولاية المسيلة التي تبعد عن مقر الولاية قرابة 40 كلم ولا تفصلها الا مسافة 07 كلم عن مقر بلدية غيلاسة من ولاية برج بوعريريج، أي أنها قرية حدودية تتبع اقليم ولاية المسيلة.




أولاد سيدي منصور...القرية الجبلية الشاهدة على جرائم الطيارة الصفراء

جغرافيا أولاد سيدي منصور منطقة جبلية تقع ضمن سلسلة الأطلس التلى من مرتفعاتها جبال الحضنة التي تمتد الى جبال أولاد حناش وجبال أولاد تبان وجبال بوطالب شرقا، وهي من القرى التي تشتهر بمناخها البارد شتاء والمعتدل صيفا تعرف عند البعض بمنطقة "القصاب"، وينحدر من ذرية الولي الصالح سيدي منصور الجوزي الكثير من العوائل الموزعة على ولايات المسيلة وبرج بوعريريج والجزائر العاصمة وهي على التوالي لعيايدة، منصور، طالبي، براكته، مشري، طييايبة، بن طالب، مخفي، بن مخفي، بلمخفي، عقون، العقون، بلعقون، بلاليط، بلالطة، بلمدني، بن سعدي، بومرطة، فيلالي، مروش، بن مروش، بن جدو، بن طلاب، بلمكي، عزيز، مطروزة، بليدة، شردود، عفافسة... 

حسب الموروث المتواتر بين أهالي المنطقة أنّ قرية أولاد سيدي منصور حسب التعبير الشعبي الدارج ((تخلى مرتين وتعمر مرتين)) وقد صدقت الرؤيا فقد كانت بلدة عامرة بالساكنة والخيرات وصارت قاعا صفصفا مثل قرية عزير أثناء الثورة الجزائرية قبل أن تشهد الاعمار الأول بعد الاستقلال عام 1962م الى غاية التسعينات امتد لها الخراب والهجران تحت تأثير سنوات الجمر أو المأساة الوطنية، وحاليا تشهد الاعمار الثاني وعودة أهلها للاستقرار ومزاولة الأنشطة الفلاحية على غرار غراسة الأشجار المثمرة وتربية النحل لإنتاج العسل.

تاريخيا يعتبر دوار أولاد سيدي منصور أول مركز ثوري انطلقت الثورة المسلحة حسب مذكرات المجاهد السعيد بن أحمد حيث أنشئ مستشفى غار الخلوة في أولاد سيدي منصور فضلا عن قنبلة الطيارة الصفراء للمنطقة واستشهاد إبراهيم لعيايدة الذي ألهم الشقيقة المثكولة والمكفوفة نوارة لعيايدة المكناة عائشة المنصورية بكتابة الأبيات الشعرية (الطيارة الصفراء أحبسي ماتضربيش) التي تغنت بها النسوة عقد الستينات والثمانينات وهي تعتبر من الأغاني الوطنية الجميلة...

 شهدت واحدة من العمليات العسكرية الفرنسية مباشرة مع مجيء الجنرال ديغول للحكم، وتعين الجنرال شال قائدا عاما للقوات العسكرية في الجزائر حيث قدم هذا الأخير مخططا عسكريا للقضاء على الثورة الجزائرية بشن عمل عسكري عبـارة عن آلة ضاغطة(Rouleau Compresseur  حسب أحدّ الباحثين من ضمنها عملية "الشرارة" (Etincelles) عام 1959م التي شملت أجزاء من الولايات السادسة والرابعة والثالثة والأولى التي لم يسلم منها لا البشر ولا الشجر والحجر حيث ساهمت قوات الحلف الأطلسي بقوة في العمليات العسكرية فضلا عن دعم الإدارة الأمريكية للجيش الفرنسي في الجزائر عبر شراء 25 طائرة عمودية من نوع ثقيل وشراء عدد غير محدود من الطائرات الحربية نوع T28 لمواجهة ظروف شتاء سنتي 1959 – 1960م حسب المرجع نفسه، من بينها "الطيارة الصفراء" الأمريكية الصنع وقد حملت التسمية تمييزا لها عن نظيرتها في اللون وهي "السوداء" أو "الكحلة" بلسان سكان المنطقة اذ تضطلع هاته الأخيرة باستكشاف وتصوير المكان فاسحة المجال أمام المقنبلة الفرنسية الأمريكية الصنع المسماة عند سكان المناطق الجبلية "الطيارة الصفراء" التي مازال أهالي قرية أولاد سيدي منصور يحتفظون ببعض مقذوفاتها الحديدية الثقيلة ويتذكرون مشاهد الخوف والرعب التي خلفت عشرات الشهداء من المدنيين الأبرياء فمثلا حدثني الشيخ عمار طييايبة رحمه الله على جرائم فرنسا الاستعمارية أعالي جبال الحضنة عندما كانت الطيارة الصفراء تقنبل شعاب ووديان ومرتفعات القرية الشهيدة أولاد سيدي منصور التي تحصي 70 شهيدا ولم يسلم بيته من القصف حيث أستشهد بعض الأفراد من عائلته الصغيرة فضلا عن تهديم البيوت الحجرية وقتل قطعان الماشية وحرق المحاصيل الفلاحية واقتلاع أشجار التين والزيتون.

رثت نوارة لعيايدة المكناة عائشة المنصورية شقيقها إبراهيم بعد استشهاده رفقة جنود الشيخ العيفة حسب بعض الروايات بكلمات حزينة ومعبرة صارت جزء من الغناء الثوري الحماسي يلهب قلوب المجاهدين والأحرار ويزيدهم إصرارا وتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الحرية، يعود الفضل في انتشار المرثية الوطنية "الطيارة الصفراء" الى ترديد كلماتها من قبل حرائر الحضنة والمناطق التلية في  الأعراس والليالي الملاح غير أن فرقة السعادة التي ساهم في تأسيسها الراحل فرحات عباس بسطيف هي صاحبة الفضل في  التعريف بها عبر منصات خشبة المسرح والمناسبات الثقافية، ومن خلال قراءة أبيات القصيدة نلمس بعض الاضافات التي لم ترد على لسان القوالة نوارة لعيايدة المكناة عائشة المنصورية تتعلق ببروز شخصية ثورية أخرى  غير الشهيد إبراهيم لعيايدة شقيق الكفيفة نوارة التي تقول فيه(الطيارة الصفراء أحبسي ما تضربيش، نسعى رأس خويا والميمة ماتضنيش) وهو الشهيد الشيخ العيفة بورقبة خريج  زاوية سيدي حسن ببلدية عين الروى-ولاية سطيف- وكذا جاء ذكر الشهيد عميروش آيت حمودة أحد قادة الولاية الثالثة-القبائل- وذكر مزرعة المعمر الأوروبي فرماتو La ferme d’Attou الواقعة في المخرج الشمالي لمدينة سطيف باتجاه ولاية بجاية هذه التوليفة الشعرية والتاريخية بحاجة الى باحث يجمع بين الأدب والتاريخ والتراث يفك ألغازها ويفصل ماضيها، فقد كانت أغنية وطنية بامتياز جمعت بين التل والصحراء شملت جبال الحضنة وجبال البيبان وجبال البابور وأمتد أنينها لباقي جبال الجزائر، وفي الأونة الأخيرة وصلت الى قلوب الأحرار على سبيل التمثيل لا الحصر:

الطيارة الصفرا بصوت الطفل الفلسطيني محمد وائل البسيوني

https://www.youtube.com/watch?v=bGKC_yd9c2g&t=7s

الطيارة الصفرا بصوت المنشد السعودي 

https://www.youtube.com/watch?v=kKLYzqJa0IY

قصة أغنية تغطية تلفزيون الغد العربي...

https://www.youtube.com/watch?v=-KYMMPmjJ_8

الطيارة الصفرا، تغطية الحدث العربي 

https://www.facebook.com/alhadath.algeria/videos/537836670836168

الطيارة الص تغطية قناة نوميديا....

https://www.youtube.com/watch?v=gw1xsL2_Qp4

أبيات.... مازالت تعيش في قلوب الجزائريين:

لاقت انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية الوطنية والعربية أخرها قناة الحدث العربية التي أعادت نشر الصور والمعلومات مرفقة بالمرثية الوطنية الأكثر تأثيرا في قلوب الجزائريين....

فارح بالدنيا .... وإذا طالت بيه 

نحسبو تفرا .... ويروّح لمّواليه 

الله الله ربي رحيم الشهدا ... رحيم الشهدا 

الطيارة الصفرا .... حبسي ما تضربيش

نسعى راس خّوي ... لمّيمة ماتضنيش 

الله الله ربي رحيم الشهدا... رحيم الشهدا 

أسّي أسّي يمّا .... أسّي ما تبكيش

طالع لجبل .... نموت وما نرونديش 

الله الله ربي رحيم الشهدا .... رحيم الشهدا 

الجندي لي جانا ... جانا من فرماتو

ذاك شيخ العيفة .... وانا ما عرفتو 

الله الله ربي رحيم الشهدا .... رحيم الشهدا 

الجندي لي جانا .... وطرحنالوا الفراش

سمع فرنسا جات .... القهوة ما شربهاش 

الله الله ربي رحيم الشهدا .... رحيم الشهدا 

طريق فرماتو .... وهب عليك الريح 

جنود شيخ العيفة .... موتى ومجاريح 

الله الله ربي رحيم الشهدا.... رحيم الشهدا 

الضيف لي جانا .... يكركر فالبرنوس 

هو سي عميروش .... وانا ماعرفتوش

الله الله ربي رحيم الشهدا .... رحيم الشهدا 

مشيت الواد الواد .... ولقيتو متخبي

ڨالي اعڨبي .... مانيشي حركي

الله الله ربي رحيم الشهدا.... رحيم الشهدا 

أسّي أسّي يالميمة ... اسّي ماتبكيش

وليدك مجاهد .... رايح مايوليش

الله الله ربي رحيم الشهدا .... رحيم الشهدا 

الأستاذ الجامعي عبد المالك زغبةـ المسيلة


Next
This is the most recent post.
رسالة أقدم

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

صور المظاهر بواسطة PLAINVIEW. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget