الإمام منصور محمـد الشريف

 قال أحد الحكماء :
((من  تفرد بالعلـم   لم توحشه خلوة  ومن تسـلى بالكتـب لم تفتـه  سلوى ومن آنسته قـراءة القرآن لـم تـوحشـه مفارقـة الإخـوان)) .

الوفـاء قليل في البشـر وأوفى الأوفيـاء من يفي للأمــوات لأن النسيـان غالبا ما يباعـد بين الأحيـاء وبينهـم فيغمطـون حقوقهـم ويجحـدون فضـائلهم .

وصـدق الشيـخ الإبراهيمي حين قـال :﴿ يمـوت العظمـاء فلا يندثـر منهـم إلا العنصــر الترابي الـذي يرجـع إلى أصلـه وتبقى معانيهـم الحيـة في الأرض قـوة تتحـرك ورابطـة تجمـع , ونـورا يهتدي وعطـرا ينعـش ﴾.
الإمـام منصـور محمد الشـريف  رحمـه الله وطيب ثـراه وأسكنـه جنـة الفردوس مع النبيين والصديقيـن والشهـداء والصـالحين ،واحـد ممن أفـاد وهـدى ونفـع بدروسـه وسلـوكـه , وتوجيهاته وإرشاداته.
لقـد كان ميلاده سنـة 1938 م  بقـريــة أولاد سيـدي منصــور المجاهـدة مـوطن الآبـاء والأجـداد   المتواجـدة  بين أحضـان جبال لمعاضيـد في الجنـوب الغـربي بالنسبـة لقـرية الدشــرة وهي منطقـة نائيـة يعتمـد سكانها على الفـلاحـة وتربيـة الماشيـة ، تبعـد عن بلديـة لمعاضيـد ﴿مقـر البلديـة﴾ بحـوالي 15 كم إلى الجهـة الشـرقيـة.
﴿تلكم البلديـة التي تحتضـن معلمـا تاريـخيا هـاما ألا وهي قلعـة بني حمـاد التي شيدت سنـة 1007 م على يد حمـاد بن بلكيـن. والدتـه السيدة الفـاضلة ذات الحسب والنسب : منصــور خديـجة بنت السعيـد . تلكم المـرأة التي استطـاعت أن تنشـئه تنشـئة إسـلاميـة رغم الإمكانيات البسيطة المتـوفـرة لديـهم والمنعدمـة أحيانا لكن الإرادة والعـزيمة كانتا أقـوى ، وكـان لها ما تمنت بعـون الله تعالى.
لأنها قررت  بـذر بذور الخيـر في فـؤاد وليـدها متوكلة على الله حق التوكـل ، وواثقـة من رحمتـه تمام الثقـة ، ومـوقنة بحكمتـه كل اليقيـن ومطمئنة لعدالته بالغ الإطمئنـان .
ولما اطمأنت الوالـدة من صحـة أدوات التعلـم التي أنعـم الله تعالى بها على صغيـرها محمد الشـريف منصـور وهي السمـع والعقـل والبـصر مصـداقا لقـوله تعالى ( والله أخـرجكم من بطـون أمهـاتكم لا تعلمـون شيـئا وجعـل لكم السمـع والأبصـار والأفئـدة لعلكم تشكـرون)   النـحل الآيـة 78.
وبعد تحـاور رفقـة الـوالد السعيـد منصـور رحمه الله تعالى ، قـررا إلحاقـه بكتاب القـرية وهـو لم يتجـاوز سـن الخامسـة من عمـره ،
وهـذا دليل على اهتـمامهما بالتعليـم وحرصهـما على تحفيظ  كتاب الله تعالى لابنهـما رغـم الظروف الاجتماعية التي فرضت عليهـم من قبـل الإحتـلال الفرنسي الغاشـم ، الذي أراد طمس الهـوية الوطنيـة لهذا الشعب الأبـي.

     قـريــة أولاد سيـدي منصـور( مسكن المرحـوم  )
حفظ المرحـوم : محمـد الشـريف القـرﺁن الكريـم لأنـه الذكـر الحكيـم والنـور المبين , والصـراط المستقيـم وحبل الله المتين,  وهو لايـزال في ريعان شبابـه على يـد  : بـوسام رابح بن الطـاهر ـ لعيـايـدة مـوسى ـ مخفي المبروك بن محمد ـ بن السعدي عبدالقـادر إمام المسجد رحمهم الله تعالى وطيب ثـراهم الذين كرسوا حياتـهم كلها في تحفيـظ كتاب الله تعالى. جعلهم الله صدقتـهم الجارية وأحاطـهم الله بهم يـوم القيامـة يشهدون لـهم عند ربهـم، يوم يفـر المـرء من أخيـه وأمـه وأبيـه وصاحبتـه وبنيـه لكل امرئ منهم يومئذ شـأن يغنيـه.
وكان من بين الطلبـة : مخفـي ابراهيــم ـ لعيايـدة عبد القـادر ــ بن سعـدي الحفناوي ــ بن سعدي الحسيـن ـ طيايبة بلقاسـم بن السعـدي ـ مخفي ناجي بن العبـاسي ـ بلاليط عمـار  وغيـرهم نعتذر لعدم ذكـرالبقيـة   .

 لقد تميـز (المرحـوم : منصـور محمد الشريف)  بالمثابـرة وحبه لكتاب الله تعالى والعمـل بالنصـائح التي قدمت له من طـرف الأسـرة وكذلك معلمه،  لقـد كان من بين الطلبـة الممتازين الذيـن كانوا يمحون ألواحهم يوميا ولا يغـادر الجـامع إلا بعد أن يحفظ ما كتب من كتاب الله تعالى في نفس اليـوم .
كانت الوالـدة  تكافئه بأثمـن ما تملك بعد حفظه عـدة أحـزاب من كتاب الله تعالى تشجيـعا له ، وتعـد له القمح المطبـوخ ( الشَرْشَــمْ ) ليتم توزيعـه على المتمدرسيـن.
                                                                            أمـا طريقـة التدريس المتبعـة، تعتمد على المجهـودات المبذولـة من طرف المتعلـم وحرص المعلـم على التحفيظ ، أما الوسـائل فهي بـدائية حيث تكتب الآيـات القـرآنية على اللـوح وبعد حفظها يتـم محوها بالمـاء في أمـاكن مخصصـة لهذا الغـرض ( الْمَحـايَـةُ ) ثم تطلى بالصلصـال وبعد تجفيفها يكتب عليها بالصمغ المصنوع من صـوف الماشيـة بقلم خشبي يدعى: (لُـقْـلُمْ  ) .
قـال رســول الله صلى الله عليـه وسلـم : (( خيـركم من تعلــم القــرآن وعلمــه ))حديث شريف.

لكن الدراسـة لم تمنـعه من مسـاعد الـوالد رحمـه الله في الاعمـال الفلاحيـة كتقديـم العلف للمـاشية والقيـام ببعض الأعمال الأخـرى.   يستغـل أوقات العطـل في مراجعة ما تـم حفظه وخاصة في فصل الربيع عند خروجه إلى الحقول والبساتين رفقـة العديـد من أبنـاء قريتـه للرعي حيث يشتد التنافس بينهم في حفظ كتاب الله تعالى وخاصة الرسم القرآني وهو مايدعى في تلك الفترة( بالمجاد لـة).

ولتمكنـه من كتاب الله حفظا ورسمـا وهـو لايـزال في ريعـان شبـابـه  تم اختيـاره من طرف سكان القـرية وهو لايـزال في ريعان شبـابه ، فاستطـاع أن يكتشف سـر الله في حـواسـه ، فاستنهضها ، وغذاها بالعبـادة والطاعـة حتى اشتعلت وتوهجت وأرست من منابع روحـها وسلسبيـل قلبـها ، نبضـات وموجات موحيات تـدق على قلـوب الناس حتى تليـن لذكــر الله تعالى.

باشـر المرحـوم : محمد الشـريف تحفيـظ كتاب الله لأبنـاء قـريته ذكـورا وإناثا  بعـد اعتقـال الشيـوخ الأربعـة من طـرف العدو الفـرنسي الغـاشم سنـة 1956 م ، متبعا طـرائق معلميـه متوكـلا على الحي القيـوم، لأن التـوكل عبادة من أفـضل القلـوب ، وخُلـق من أعظـم أخـلاق الإيـمان ، ومقـام من مقـامات المـوقنين .

قال الله تعالى : ( قـالت لهـم رسلهـم إن نحـن إلا بشـر مثلكم ولكن الله يمن على من يشـاء من عبـاده ، وما كان لنا ، أن نأتيـكم بسلطـان إلا بإذن الله ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ابراهيـم 11.

وهـكذا كانت الأرضيـة الصلبـة التي انطلقت منها حيـاة الشيخ : منصـور محمد الشريف  التي رسمت نهجـه وحددت اتجـاهه ،وجعلته الغصـن الـذي يطـول , والزهـور والثمـار التي تعـد إن شـاء الله تعالى.
ولحرصـه  الشديـد على تحفيـظ كتاب الله تعالى ، يستقبـل المتمدرسيـن بعد أداء صـلاة الفـجـر مباشـرة  ، قصـد القضـاء على الأميـة التي استفحلت بالمنطقة ، تتم الدراسـة على فترتيـن (صباحية ومسائية ) ، وهو ماسهـل له تحفيظ كتاب الله تعالى للعديـد من أبناء القـرية المجاهـدة  في الكتاب بالمنطقة .

وفي كثيـر من الأوقـات يستخلفـه الأخ الأصغر منه سنـا السيد : منصـور الطيب الحافظ لكتاب الله تعالى حفظا ورسما ، وخـاصـة خلال فتـرتي الحـرث والحصـاد .

ولما اندلعت الثورة التحريرة المباركـة التي واجهها الاستعمار الغاشـم بوحشيـة متخذا أسـاليب عـدة من بينها منع التعليـم بالكتاتيب ، لكن المرحـوم ( منصـور محمد الشريف ) لم يتخل عـن واجبـه الديني والـوطني من خلال التعليـم بالكهـوف المتواجدة بالمنطقـة أثنـاء تواجـد الاستعمار الفرنسي ،﴿غار الشريف بن الخيـر ـ  غـار جـدر الكـاف ـ غار الطـراطيـق﴾ غيـر مبال بالمخـاطر التي تنجـم عن ذلك لأنـه يدرك أن القـرﺁن الكريـم كلام الجبار , وسيـد الأذكـار , فيه من العلـم ما يفتح البصـائر ومن الأدب ما ينـور السرائـر , ومن العبـر ما يبهـر الألباب , ومن الحكـم ما يفتـح للعلـم والعمـل كل بـاب .
ولازالت شـاهدة على ذلك كمعلـم تاريخي راسخـا في أذهان من حفظـوا كتاب الله تعالى فيـها خلال العهـد الاستعماري .
                                                   غـار جـدر الكــاف              غـار الشـريــف


ومن بين الطلبـة الذين اشـرف على تعليمهم وتم حفظـهم لكتاب الله عز وجـل : طيايبـة نـور الديـن بن العمـري ـ مخفي سـاعـد بن السعيـد ـ الأخ منصـور بلقـاسـم بن السعيـد ـ ابن بليـدة احمـد بن النـوري ـ بن سعـدي عبد الحميـد بن المسعـود ـ منصـور الربـح بنت السعيـد ـ والقـائمة طويلة يصعب ذكرها لذا نطلب المعـذرة من الجميـع .
أحبه الجميـع دون استثناء لأنهـم وجـدوا عنـده حبـا بلا مصلحـة وأبــوة بلا مطـالب شخصيـة .
قـال الشــاعر :
زيـادة المرء في دنيـاه نقصان      وربحـه غيـر محض الخير نقصان
أحسـن الى الناس تستعبد قلوبهم    فطالما استعبد الإنسان احســـان 
من جاء بالمال مال الناس قاطبة    إليـه والمــال للإنسـان فـتـان
أحسـن إذا كان إمكـان ومقدرة    فلـن يـدوم على الإنسـان إمكـان
حيـاك من لم تكن ترجـو تحيته     لولا الدراهـم ما حيــاك إنسـان

ولمـا كانت انتصـارات المجـاهديـن تربـك العدو الفرنسي بالمنطقـة لم يكتف بقنبلـة القـرية  بطائراتـه الحربيـة التي كانت تجـوب الناحية
صباح مسـاء ولازالت  الشظـايا والمعـالم التاريخية الأخـرى كالخـلوة ـ تَـالْتْ أمْـدَى ـ الشَّـويشَة ـ شاهـدة على ذلك ، قـرر تهجيـر السكـان قصـد عزلهـم عن جنـود جيش جبهـة التحريـر الوطني ومجـاهدي المنطقـة سنـة 1958 م .

لم يفـلح الاستعمار الفرنسي رغـم هجـرة السكان للقريـة لأن الإرادة والعـزيمة لدا الشعب الجزائـري الأبـي كانت أقـوى مما خطط لـه من قبـل جنـود الإحتـلال ، رغـم المجازر الشنيعة التي ارتكبهـا في حقـه من اغتيـالات واعتقـالات وحـرق وتدمـيرللقـرى والمداشـر
        معــالـم تـاريخيـــة بقـريــة أولاد سيدي منصـور

                      من بقــا يا الاستعمــار


هـاجـر المرحـوم : محمد الشـريف رفقـة العائـلة مرغمـا كبقيـة السـكان ليحط الرحـال بدوار لبـراكتيـة بلديـة أولاد اعـدي لقبـالة دائـرة أولاد دراج حـاليا ( مسقط رأس الحاج السعيـد العدوي احميـدة المتوفى بقريـة أولاد لعيـاضي ) .
لقـد كان من الذيـن يحملـون الإيمـان الصلب الذي لا تـؤثـر عليـه العـواصف العاتيـة ، بل تـزيده صـلابة وقـوة ، وتفجـر في نفسـه الطـاقات الكامنـة ، فينطلق بقـوة وعـزيمـة وإسـرار نحـو تعميـر الحـق وتدميـر البـاطل .لأن الإيمـان بهذا الديـن العظيـم ، إذا وقــر في القلب لا تـزيده المحـن إلا رســوخا وتمحيـصا .
وبما أنـه من الـذين يحملـون الإيمـان في قلـوبهم والقـرﺁن في صـدورهم , والروح الجـزائرية المسلمـة في لحـومهم ، تم تعيينـه من قبـل مسؤولي الثـورة التحريريـة بالناحيـة كمعلـم قـرآن بكتـاب (قـريـة بـوجـلال)بلديـة أولاد اعـدي لقبـالة حالـيا .

                                                 مسجـد الجلايـل                      مسجد البـراكتيـة


زرع في قلـوبهم مشـاعـر غمـرت أرواحهـم ، فأحيتهـا بعد موتها ، وأنعشتهـا من ركـودها ، هذه المشـاعـر التي أضـاءت القلـوب بنـورها وأطفـأت نيـرانها ببردها ، فأخذت تنبض بأحاسيـس عفـة صـادقـة ، كما تم تعييـن الأخ الأصغرمحمد الطيب بقـريـة ( بن رابـح ) بنفس البلديـة عن قصـد .

ولمـا نالت الجـزائـر أرض الشهـداء استقـلالها بفضـل جهاد ابنـائها لأن الحـريـة تـؤخـذ ولاتعطـى ، عـاد الشيـخ رفقـةأفـراد عائلـته كبقيـة سكان القـرية المهجـريـن إلى قـريـة أولاد سيـدي منصــور مسقـط رأسـه، ليكمـل مشـواره التعليمي  لأنـه من ذوي القـلوب الحيــة. سئلت أسماء بنت أبي بكـر : كيف كـان أصحـاب رسـول الله (ص ) إذا سمعـوا القـرآن . قـالت :
تدمـع أعينهـم وتقشعـر جلـودهم كما نعتهـم الله تعالى (( الله نـزل أحسـن الحديـث كتابا متشـابها مثاني تقشـعر جلـود الذيـن يخشـون ربهـم ثم تليـن جلـودهم وقلـوبهم إلى ذكـر الله )) .الـزُمـر

                                               أول مسجـد بقرية  أولاد سيـدي منصـور( لُقْصَــابْ )
باشـر عملـه المعتـاد بكتاب القريـة القديـم ( لُقْصَــابْ ) رفقـة السيـد :العربي طيـايبة بن العمـري بنفس الكتـاب بالطـابق الأرضي المتكون من غرفتيـن مساحـة كل واحـدة منهما 16 متر مربع أما الطـابق العلـوي فهو مصـلى لأداء الصلوات المفروضة .
ولكثـرة المتمدرسيـن ذكـورا وإنـاثا تم تفويجهـم  قصـد تحقيـق الاهـداف المرجوة من تحفيـظ كتاب الله تعـالى لاغيـر .
انتقـل إلى المسجد الثاني في القـريـة، ﴿الـذي شيـد سنـة 1952 م
وتم تدشيـنه  فيـما بعـد من قبل السلطات المعنية ومن بينهـم الشهيـد : الشاعـر عبد الكريـم العقـون الذي أقـام أول جمعـة فيـه ثم كلف  المرحـوم : عبد القـادر بن السعـدي﴾، المجـاور للمدرسـة الحالية التي فتحت أبـوابها سنـة 1956 م ،
ومقبـرة الأطفـال ، تتوسطهمـا  شجـرة غـابيـة (( طـَاقيـة )) الوحيـدة بالمنطقـة ، وقد استغلهـا العديـد من معلمي القريـة خـلال الفترة الصيفيـة ليستظلوا بظلهـا رفقـة المتمدرسيـن خلال أزمنة خلـت تقـام بجـوارها صـلاة العيديـن وصلاة الإستسقـاء ، يجهل كبار القـرية حاليا تاريـخ نمـوها ، يفـوق محيـط جذعهـا : 3,20 م بعد قيـاسه من طرف السيـد بن عامـر لخضـر بن بن يحي بتاريـخ 26 / 03 / 2008 م وهي لازالت مخضـرة لحد السـاعـة نرجـو المحافظـة عليها من قبـل الجميـع .   (صـورة الطاقيــة)

أول دفعـة بالنسبـة لتلاميذ مـدرسة أولاد سيدي منصور ذكــورا وإنـاثا:رفقــة  المعلم  الـذي اشـرف على تدريسهـم باللغـة الوطنيـة الرسميـة  السيـد :{ بلقـاسـم فلـوسيـة }تتقدمهم قذيفـة أطلقتها طائرة الاستعمار الفرنسي إبـان الثـورة التحريـريـة، والتي نقلت فيـما بعـد إلى بلديــة المعاضيـد . 
بقي المرحـوم : منصور محمد الشريف مداوما على تحفيـظ كتاب الله للعديـد من براعـم القـرية ، لأن أقـرب الوسـائل وأنفعها لتهذيب الأمـة وإرشادها هـو دينـها الـذي اطمـأنت لـه قلـوبها , وانقـادت لـه نفوسها وذلك هـو الإسـلام الـذي بني على تحـرير العقـول وإنارتـها , وتزكيـة النفـوس وترقيتها . لذا بقـي مـداوما على نفس العمـل , وبنفس العزيمـة.
وبما أنه يسعـى في طمـوحـه للمعالي لايعيش بالخيـال وبأحـلام اليقظة  ، كـان يتحمـل المكاره ، بالتفـاؤل في مسعـاه , وكان يأخـذ في حسبانـه بأنـه إذا زال عنـه الجـد والأمـل فقـد الرغبـة في السعـي نحـو الهـدف ، لذا استغـل  فتـرات الراحـة في تنميـة ثروتـه اللغـوية والدينيـة ، معتـمدا على المراجـع الفقهـية التي تم اكتسـابها من خـلال المبالغ الماليـة التي اقتطعها من الميـزانية العائليـة خـلال سنـوات التدريس .
لأن  الحيـاة دائمـة التطـور والنمـو والقـوة والحـركة ، لاتعـرف التوقف ولا الركـود ، والإسـلام كذلك قـوي مستمـر النمو. تحققت أمنيتـه التي سهر لها الليالي الطوال ، حين أعلنت وزارة الشـؤون الدينيـة عن مسابقـة  للأئــمة سنـة  1979 م وبعـد إجراء المسـابقة تحصـل على رتبـة إمــام ، عين من طـرف المديـرية الوصيـة كإمـام ومقيـم للصلوات الخمس بنفس المسجـد ( مسجد أولاد سيـدي منصـور ) خلفا للشيخ :ابن السعـدي عبد القـادر الذي كبـر سنه وأصبح عـاجـزا عن أداء مهـامه   .
ملاحظــة ﴿ بعد تعيينه كإمـام استخلفه السيـد الكريم الحافظ لكتاب الله تعالى : طيايبـة البشـير تـلاه السيـد : ابن بليـدة احمـد ﴾ 
قال رســول الله (ص) :
( يـؤم القـوم أقرؤهم لكتاب الله ،فـإن كانـوا في القراءة سـواء فأعملهم بالسنة فإن كانوا في السنـة سـواء فأقدمهم هجـرة ، فإن كانـوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ،ولايـؤمن الرجل الرجـل في سلطانـه ، ولا يقعـد في بيته على تكرمتـه إلا بإذنـه ). حديث شـريف

ولتـواضعـه وجديتـه في العمـل ،  أصبح محـل ثقـة الجميـع يبـرم عقـود الزواج ، والبيع والشـراء  ، ولما أدرك رغبـة المصليـن في
التفقـه قرر تقديـم دروس خصـوصية  عقب صـلاتي  العصـر والمغرب،  كما يقصـدونه في بيتـه قصد معرفـة الشـرع في أمـور عـدة : كالعبادات وغيرها من الأمـور الشرعيـة , وكان الجميـع يرضون بـه حكما ،لأنـه لايبطل حقا ولا يحـق باطـلا.

أما في شهـر رمضـان المعظـم فيقيـم صـلاة التراويـح ، ويكثـر من دروس الوعـظ والإرشــاد ، فلا ينام من ليلـه إلا  القليـل القليـل، يعـد الدروس أويتلـو كتاب الله تعالى ، حيث يختـم القـرآن عدة مـرات لأنـه من أفضـل الوسـائل للتزود بالإيـمان  وتقـوى الله .
وقـد ذكـر بعض العارفيـن أن الـذكر على سبعـة أنحــاء : فـذكر العينيـن بالبكـاء وذكـر الأذنيـن بالإصغـاء وذكـر اللسـان بالثنـاء وذكــر اليديــن بالعطــاء وذكـر البـدن بالـوفـاء وذكـر القلب بالخــوف والرجــاء وذكــر الروح بالتسليــم والرضـا .             

وبعد  العمـل الدؤوب الذي بدأت  ثماره تبـرز  للـوجـود ،                    حلت المحنـة الوطنية( سنـة 1996 م ) ورحـل سكان القـريـة ( قريـة أولاد سيدي منصـور ) تاركيـن خلفهم منازل شيد وهـا ومزارع خصبتـة أ وجـدوها من العـدم، وحـدائق تفننـوا في غرسها بأشجـار مثمـرة ذات جـودة عاليـة ، لأن الإرادة قـوية والميـاه متوفـرة بكثـرة خلال السنـة كميـاه  منبع قَـرْقَـعْ ، وعيـن الكَحْلَـة و رأس المـاء في الجهةالشمالية و عنصر البراكتية  .

غادر المرحـوم القـريـة موطـن الآباء والأجـداد مُكـرَهًا(قـرية أولاد سيــدي منصــور) قـاصـدا بلديـة أولاد دراج ليستأنف عملـه بمسجـد خالد بن الوليـد ، ثم  تم تعينـه بمسجـد الدّعْـوَة بدوار: ابن رابـح بلديـة أولاد اعـدي لقبـالة .

لقـد كـان من أعـذب النـاس ألفـاظا وأعظمهـم محـاضـرة لهذا انطلـق ﴿المرحـوم منصـور محمد الشـريف ﴾ بحـرا متفجـرا من العلـم وشهـابا واريـا من الديـن  ، نشـر من الحب عبيـر روحـه، يشعـل في قلوب الآخـرين نور الإخـاء في الله حـارا متوقـدا منيـرا ، قنوعـا بما رزقـه الله من نعمـه التي لا تعـد ولا تحصى بسيـط  في مأكلـه ومشربـه وملبسـه  راضيا  ولو بالقليل القليـل . محبا لأقربائـه ولعامـة الناس حريصا كل الحـرص على تبليغ ما انعـم الله بـه عليـه  من علــم .
أمـا زوجته السيـدة : عقـون اربيـحة بنت اعمـر وهي ابنـة شهيـد  تلكم المـرأة الكريـمة التي شاركتـه الحيـاة ، أنجبت لـه ذريـة أحسنت تربيتها وأعدتهم للحيـاة ليكونوا خيـر خلـف لخيـر سلـف وهم : عبد المـالك ـ عبد الرشيـد ـ أميـن ـ مأمـون ـ وأربـع بنـات .

لكـنّ بين الحيـن والحيـن يندفـع الـموت فينهـش نهشـه ويمضي أويقبـع حتى يلتقط بعض الفتـات السـاقط من مـائدة الحيـاة ليقتات ، والحيـاة ماضيـة في طـريقها ،متدفقــة فـوارة ، لاتكـاد تحـس بالمـوت أو تـراه .قال الله تعالى :( إن الله عنـده علـم الساعة وينزل الغيث ويعلـم ما في الأرحام وما تدري نفـس ما ذا تكسـب غـدا وما تـدري نفـس بـأي أرض تمـوت إن الله عليـم خبيـر) (لقمان) الآيـة 34.
توفي الإمـام : منصـور محمد الشريف بعد عمـر أفنــاه في خدمـة دينـه ووطنـه متنقـلا بين قـرى عـدة . يوم الأحـد : 30سبتمبـر 2007 م الموافـق ل: 27 رمضــان 1428 هـ ،دفـن  جثمـانـه في مقبـرة بلمعتـوق دوار لبـراكتيـة بلديـة أولاد اعـدي ، رحـم الله الشيـح ورحم معـه كل من سـاهـم في خـدمـة دينـه ووطنـه .

إنــــا لله وإنــا إليــــه راجعـــــون. الأخ الكـريم : بلقـــاسم منصور. أجـرى الحـوار وأعده : بن عـامر لخضـر 

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

صور المظاهر بواسطة PLAINVIEW. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget