المعادلة الصعبة في رمضان!

بحلول شهر رمضان تنقلب موازين الأكل و الشرب و بعد يوم طويل من العمل و الصيام، وتبقى لحظات الفطور أميز ما ننتظر و أشهى ما ننعم به!

غير أن هذه الشهية ينجم عنها في كثير من الأحيان اختلاط في المعدة من كميات و أصناف ما ابتلعناه،  حيث تفسد معادلة الغذاء: أهو أكل  وشرب لتغذية أجسامنا أم ملء بطن غاب عنه كل شيء أكثر من نصف اليوم؟ إن من الواجب علينا فقهيا و علميا و غذائيا أن نعي قول مولانا الجليل: "فكلوا و اشربوا و لا تسرفوا".

و يقول حبيبنا و طبيبنا في حديث صححه الترمذي: " ما ملأ بن آدم شرّا وعاء من بطنه، بحسب بن آدم لقيمات يُقِمن صلبَه، فإن كان لا بدّ فاعلا فثُلثٌ لطعامه و ثلثٌ لشرابه و ثلث لنَفسه". حديث حسن صحيح.و بهذا فإن برنامج غذائنا يجب أن يتطابق مع أمر المولى سبحانه و تدريس الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى.
إن الصيام اليومي الذي يكلف جسديا اللجوء إلى استعمال الأحماض الدهنية للحصول على الطاقة  يعقبه تناول فطور بتمرات ثم حساء ثمّ تحضير من الخضر  إمّا طازج و إمّا مطهيٌّ على النار، و بعده شراب يستحسن دافئًا، لأن البارد و المثلّج يضر بنظام الاعتدال الحراري في الجسم و الذي يتطلب صرف طاقة جبارة لتسويتها على السبعة و الثلاثين درجة اللازمة بالقيام بكل الأعمال. كما أنّ  تناول الفطور والأكل في أي وقت، يجب الأخذ فيه بعين الإعتبار عملية الهضم الأولى بالفم، والقائمة على فرز الغدد اللعابية و عمل الأسنان لتقطيع ما أكل، و تسهيل عمل المعدة بعد ذلك، و هو ما يصون من التوعك المعدي الذي كثيرا ما يؤدي إلى التوتر الحاد و فرز الأملاح الكبدية من جعبة المُرّارة ختامه قيء أو إسعاف إلى المستشفى. ونحن في هذا الظرف العصيب من الوباء في غنى عن المستشفى و الإستعجالات.

كما أن من وصايا الغذاء الصحيح، فتح المعدة بمرطِّبات كالتمر بأنواعه، و الزبيب، و جرعة ماء دافئ قبل الصلاة، تليها جلسة فطور مع الأحبة بدأ بحساء من القمح أو الذرّة دون خبز غير مخمّر أو القليل منه،  ثمّ طبق من الخضر الطازجة بشتى أنواعها معالجة بشيء من زيت الزيتون و الليمون كصلصة أو طبق من الخضر المطهوّة بإضافة فتات من اللحم أو الدواجن. يحضرني أن اللحوم غير مستحب تناولها بالكم الذي نعهده خارج رمضان عدا تسوية النكهة بفتات منها.

و يستوجب الفطور بأكثر من نصف ساعة من الزمن، حتى يتسنى هضم الأكل بالفم و أخذ النفس لتسهيل هضم المعدة ، ثم تناول كوب لا غير من ماء دافئ أو عصير فاكهة محضر دون إضافة سكر. و بعد هذا ففنجان قهوة خفيفة أو شاي يختم هذه الوجبة للخلود بعدها إلى استراحة على قول أسلافنا ( تغدّى و تمدّى) و هو نصف ساعة من الزمن لانطلاق ماكينة المعدة في عمل يلتهم كل طاقة الجسم.بعد هذا يمكن أن نشد المآزر  لنظمنا من صلاة و تسبيح و قراءة القرآن بلسان فصيح. و بعد الانتهاء من تلك النسك يمكن تناول ثمار أو عصائر دافئة غنية بالماء و الفيتامينات ولكن بقدر. إن غذاء الجسم خلال هذا الشهر الكريم يكون على هذا المنوال لا غير؛ وكم غوى الشيطان بحواسّنا و ندِمْنا؟  فلنكن كيسين فطنين و لنجعل من الإفطار تقوّتا لا توعّكا لشرّ وعاء.

أعود لأذكر بعادات مضرّة أولها المشروبات: فلا باردة و لا غازية و لا كثيرة السكر كما هو حال كل المباعة عندنا، و ثانيها الإكثار من الخبز، و ثالثها المستحضرات المقلية، و رابعها اللحوم "إلّا القليل"، و خامسها و هو الأهم التخلي عن السحور اللذي كثيرا ما ننسى بركته و هو اللذي يعدُّ واق من العطش و الجوع، فبتمرات و زبيب أو  فواكه و ماء لتغذية الجسم نحصل على الضروريات لتوازن الجهاز الكهربائي بما فيها  من المعادن. نسأل الله لنا و لكم الصحة و العافية و تأدية مناسك هذا الشهر بأحسن الظروف، و طوبى لمن يسّر الله أمره دون عسر، و نسأل الله لنا و لكم الجائزة والعتق من النار.

د جمال شايب 26/04/2020.


إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

صور المظاهر بواسطة PLAINVIEW. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget